المنهاج التعليمي في القرآن الكريم وتطبيقاته في البيئة المدرسية(هشام لعشوش)

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد..

                   فإن  المسلمين سيظلون على هامش العالم، ولقطاء متطفلين في عالم العلوم والصنائع مادام تعليمهم لا يرتكز على لغة وجودهم ووجدانهم؛ لغة القرآن في المجالين التربوي القلبي والتعليمي الفكري، مسايرا هذا لذلك، موصولا به مستقيا من مبناه ولفظه ومعناه.

إنها مقدمة لا بد منها إن أردنا أن نتخلص من التبعية وسلبيات الذيلية الحضارية.

                    وحتى تضمن كينونتنا استمرارا مستقلا في المستقبل، وريادة نموذجية مادية وروحية لابد من العناية بالتربية والتعليم، فأحد مداخل الشهود الحضاري للأمة أن تشتغل طاقاتها وعقولها الخبيرة على تطوير تعليمها وتربيتها على هدي تعاليم القرآن الكريم، حتى تكون الأسس الفلسفية والرؤية المعرفية التي يرسو عليها نموذجنا التعليمي والتربوي من وحي القرآن كلام رب العالمين.

                   إن الرجوع إلى القرآن في استلهام منهاجنا التعليمي هو رجوع إلى قيمه الثابتة، التي تدخل هنا من أجل تحرير الإنسان من الجهل البسيط والجهل المركب، فبعد تحرير العنصر الإنساني تحريرا نفسيا يعيد له الثقة لابد من تحرير فكري يمكنه من أن يربط بالناس وبالعمل وبالعالم من حوله علاقات منطقية، تجعله واعيا لقيمة عمله مدركا للأسباب والمسببات وتجعله أكثر فاعلية.

                   في هذا العمل الرائد الذي نقدمه اليوم في مركز ابن غازي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية، يقدم لنا الباحث الدكتور هشام لعشوش وجها من وجوه استثمار المعرفة القرآنية في التأسيس لهذا المشروع الكبير الذي يمتح من القرآن الكريم أدوات الفهم والبناء والتقويم والتركيب، ولاشك أنه يحتاج سواعد وعقولا وخبرات تتظافر من أجل النهوض به.    لقد اختار الدكتور هشام لعشوش أن يشتغل على موضوع بالغ الأهمية عظيم التأثير وهو المنهاج التعليمي في البيئة المدرسية مستندا إلى خبرته التربوية الممتدة في التدريس لسنوات طويلة، وأيضا مستعينا برؤية للموضوع والميدان تتسع باتساع أفق عودة الأمة لممارسة دورها في مسرح الحياة.

                   إن المؤسسة التربوية باختلاف أشكالها الخارجية تتحمل إلى حد كبير مسؤولية إنشاء قيمنا التربوية وبناء شخصيتنا الحضارية ورؤيتنا للعالم والحياة، لذلك فهي المؤسسة الأكثر قدرة على تطوير الواقع والدفع به إلى مسالك التقدم، وهي على العكس من ذلك السبب الرئيسي للجمود والاستبداد السياسي والتخلف الاجتماعي والعمراني.

                   ينطلق بحث الدكتور هشام لعشوش من فرضية أساسية في إصلاح منظومة التربية والتعليم بالبداية من تغيير مقاربتنا الكمية في اتجاه الاهتمام بالمقاربة النوعية التي ينص عليها القرآن الكريم في رؤيته المعرفية، ذلك أن معيار النجاح ليس فقط المعدلات الكمية ونسب التخرج المرتفعة، لأن هذه المؤشرات لم تنفع اليوم إلا في مضاعفة الأزمة بسبب أن المدرسة لم تسهم في صناعة الإنسان النوعي الذي يعتمد عليه في التنمية والبناء، هذا إذا أضفنا إلى ذلك طبيعة السياسات المعتمدة في مجال التعليم والتي باتت كل المعطيات تخبر بفشلها بسبب ضعف فاعليتها وقدرتها على التخطيط والتدبير والتقويم.

                   إن أهمية هذا البحث ومثيلاته تكمن في القيمة التوجيهية لمقاصده وتطبيقاته لتجريب عدد من الخبرات المنفتحة على الواقع مع استيحاء قيم القرآن باستمرار، تلك القيم التي تتوجه إلى ثلاثة مستويات من الوجود الإنساني لتبني فيها القدرة على الفعل النوعي أو بعبارة أصح لتبني فيها "تعلم الكيفية"، وهذه الكيفية تتوزع على الوجود في ذاته كيف يكون وعلى فعله كيف يفعل وينفعل ويتفاعل، فالتربية والتعليم تجعلنا قادرين على أن نفكر بشكل جيد ونشعر بعالم الأشياء وبالمواقف وبالظواهر بشكل مناسب وأن نتحرك ونباشر الاتصال والفعل بالشكل المطلوب والبناء: الفكر، والشعور، والسلوك، وهي كلها مستويات يمكن التعبير عنها بالكفايات العقلية، والكفايات الشعورية، والكفايات السلوكية العملية.

في الختام نسأل الله تعالى أن يجزي خيرا الدكتور هشام لعشوش على جهده المميز والبناء وأن ينفع بهذا العمل جمهور المهتمين بشؤون التربية والتعليم في عالمنا العربي والإسلامي، سعيا للمساهمة في نهضة أمتنا واستعادتها لمقامها الشهودي في هذا العالم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

تم عمل هذا الموقع بواسطة