بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
أما بعد..
فهذا العمل الذي نقدمه للقارئ العربي مغامرة تأويلية تستهدف البحث في وجودنا العربي على خارطة التأثير والتأثر العالمي، بحث يذهب بعيدا في تخوم الوجدان مستهديا بأدوات اللسان متحسسا كينونتنا في ظلال الزمان، فعلى نحو ما خاض مارتن هايدجر في الكينونة والزمان فربط بينهما ربطا وثيقا، فالكينونة لا تُعقل إلا في علاقتها بالزمان، والإنسان هو الكائن الوحيد الذي يمستطاعه فهم الكينونة، لأنه يستطيع استحضارها باللغة عبر تعبيراتها.
يعمل الأستاذ مراد لمام بكل جرأة هادئة على الغوص بعقل فاحص وشاعري في طبقات كينونتنا و"انوجادنا" التي استولى عليها التراص تارة والانكسار تارة أخرى..يفتش في طيات الكينونة عن المعنى الضائع ويبحث عن الزمان المفقود، عبر استعادة لحظات ثقافية وفلسفية كان لها وهج خاص في إضاءة العقل العربي والمسلم أثناء مواجهته لصدمات الأسئلة الحارقة عن الاجتهاد والتجديد.
يأخذنا الأستاذ مراد ليمام بشاعرية اللغة وبلغة الشعر المتحرر من كل قيد إلى تخوم الدلالة حين تنتظر في الأعالي من يفك ختمها، لتقول بطريقة ضمنية وتأويلية ما يجب علينا فعله من أجل صناعة أفق لتحرر جماعي تتحد فيه ثورة الشكل بثورة المضمون، لأن ثورة الظاهر لا تغني عن ثورة الباطن، وثورة في عالم النفس والفكر لا تكتمل إلا بثورة في العالم..
يصنع الأستاذ مراد ليمام في عمله الاستكشافي من عمليات "التعقيد" و"التركيب" جمالا، فيخرجنا للحظات من سطوة التسطيح وينقذنا بتحليقه الصاعد من منحدر التبسيط الذي أودى بتصورنا عن الذات والآخر في حفر الاختزال والتنميط، فما أحوجنا لهذه الرؤية التركيبية التي تجاهد من أجل الإقرار بمنطق الصلات عوضا عن القطائع...العالم متصل بشكل رهيب..و وجودنا المادي والرمزي في عمق المتصل بالزمان..