المرأة والمشاركة السياسية بالمغرب(صباح العمراني)

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم وبارك على النبي الكريم وعلى أصحابه أجمعين، أما بعد..

فإن الاجحاف الذي يمس حقوق المرأة اليوم في السياقين العالمي والمحلي على تفاوت واضح بينهما مرجعه إلى طبيعة الرؤية الاختزالية لأدوار المرأة في المجتمع، ولأجل ذلك فإننا ما زلنا لا نجد وضعا اجتماعيا وسياسيا تنعم فيه المرأة بكافة حقوقها المادية والرمزية التي تجعل منها كائنا كامل الكينونة والمسؤولية لا يتوقف وجوده على شرط آخر لوجوده..ففي الغرب نفسه _رغم ديمقراطيته_ما تزال هناك هيمنة للصورة النمطية للمرأة باعتبارها موضوعا للاستخدام ومادة للمتعة والتسليع ووسيلة للترويج والاشهار..

وبسبب إضافي من تردي الأوضاع في بلداننا العربية والإسلامية  وتخلفها، فقد أثر هذا الوضع الثقافي العام على إمكانيات مشاركة المرأة في رسم خارطة السياسات التنموية في بلدانها، وظلت هذه المشاركة مترددة ومتحيرة ومواجَهَة بمقاومة شرسة تمارسها النزعة  الذكورية المتسلطة تارة والثقافة التقليدية المتخلفة تارة أخرى..

والواقع أنه مع صعود الموجات الديمقراطية والتأكيد على مبدأ المساواة بين البشر في الحقوق والواجبات انفتح المجال لقضية حق المرأة في المشاركة السياسية، هذه المشاركة التي تتصل بمنح الحق الديمقراطي والدستوري لكافة المواطنين في الاشتراك بصورة منظمة في صناعة القرارات السياسية التي تتصل بحياتهم.

إن المشاركة السياسية ليست مجرد إجراءات تقنية لإدماج المواطنين بإعطائهم حق التصويت أو الانخراط في السوق السياسية كما يسميها غوردون تيلوك وكلود مون مراكيت، وإنما هي بالدرجة الأولى عملية إعادة توزيع للسلطة في مواقع النفوذ المعنوي وإعادة هندسة لمفاهيم القوة والنفوذ الفعلي في المجتمع في اتجاه إحداث توازن نسبي لا يطغى فيه طرف على طرف أو جنس على جنس..

وإذا كانت المشاركة السياسية لكافة المواطنين في الحياة السياسية بمنزلة العصب الحيوي للممارسة الديمقراطية، فإن مشاركة المرأة تحديدا تمثل أحد أهم المعايير أو المؤشرات الدالة على نضج المجتمعات ورقيها، إذ بات كل أفراد الأمة لهم انشغال بالسياسة واهتمام وممارسة من خلال حزمة الحقوق التي يكفلها الدستور للجميع على أساس مبدأ المساواة.. خصوصا إذا علمنا أن مسألة الكفاءة النسائية في إدارة الشؤون العامة أمست موضوعا لا يحتاج إلى برهان أو دليل، فقد أثبت المرأة في أكثر من مناسبة وسياق على تفوقها وقدرتها على الإنجاز بفعالية قل نظيرها..

وفي مركز ابن غازي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية يسعدنا أن نقدم هذا العمل العلمي الذي ينهض لمساءلة مشاركة المرأة في رسم السياسات العمومية بالمغرب للدكتورة صباح العمراني إحدى الباحثات المتميزات في المركز.

لقد نجحت صاحبة الدراسة انطلاقا من مفهوم "مقاربة النوع" باعتباره أداة تحليلية كما تعرفها جوذيث باتلر وجوان سكوت، في تتبع وقياس درجة اندماج المرأة في الحياة السياسية ومشاركتها في بناء ملامحها، وذلك من خلال رصد وجود المرأة ناخبة ومنتخبة ووضع المرأة في مواقع القرار في السياق المغربي، كما اعتنت الباحثة بالكشف عن الآليات التي تعتمدها القوى المدافعة عن حق المرأة في المشاركة السياسية في الترافع عن هذا الحق والاحتجاج من أجل توسيع دائرة الفعل النسوي في العمل السياسي..

يسعفنا هذا العمل المتميز في أخذ صورة واضحة عن المدى الذي بلغته التجربة المغربية في إدماج المرأة في الحياة السياسية، وذلك من خلال الآليات القانونية والمؤسساتية لتمكين المرأة، ومن خلال العمل على ربط السياسي بالاقتصادي والثقافي بالقانوني حتى تتمكن المرأة من أن تكون قادرة على المساهمة في التنمية الشاملة بما فيها المشاركة السياسية.

لقد مارست الدكتورة صباح العمراني في بحثها عامة وفي قراءتها للواقعين الميداني والقانوني مستويات من النقد العلمي الذي يتطلبه عمل الباحث من خلال تسجيلها لنقاط الضعف والقوة في مشاريع التنمية والميزانيات المبنية على "مقاربة النوع" وذلك أثناء مقارنتها لتجارب عدد من الدول الغربية التي سبقت إلى المجال..

كان لهذا البحث العلمي الرائد خلاصات متعددة وعلى جانب كبير من الأهمية، نذكر منها أن المغرب وإن كان قد اعتمد في العقدين الاخيرين اصلاحات تشريعية ومؤسساتية لتقليص التمييز بين الجنسين في المجال السياسي والاداري والاقتصادي والاجتماعي ، وساهمت الدينامية المجتمعية ومطالبات الحركة النسائية من تبني مجموعة من الاليات القانونية والمؤسساتية التي تهدف الى تمكين المرأة . ولكن بالرغم من هذه الاجراءات المتخذة ، مازالت المرأة بعيدة عن مراكز القرار على جميع المستويات .

كما انتهت الباحثة إلى أنه لا يمكن فصل قضية التمثيلية السياسية للنساء عن قضية الديمقراطية بشكل عام ، إذ لا يمكن تشجيع تمثيلية النساء بالشكل الكافي في ظل استمرار المعطيات السياسية والثقافية التقليدية.

في الختام نأمل أن يكون هذا البحث مُلهما لبحوث أخرى مفيدة تفتح الباب لأسئلة جديدة وتحديات حقيقية ينهض للتفكير فيها باحثون يقدمون إجابات ترفع من مستوى الوعي في مجتمعاتنا وتكون رافعة للتنمية الشاملة..

وآخر دعوانا أن الحمد رب العالمين..

تم عمل هذا الموقع بواسطة