الدلالة والحدود: دراسة للقواعد الأصولية اللغوية في التحرير والتنوير(الدكتور محمد البويسفي)

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين وبعد..

فإنه مما تقرر لدى علماء الأصول والمختصين فيه أن أغلب قواعد هذا الفن لغوية ومبناها على العلم بالعربية وتصاريف لسان أهلها ومعرفة بطرق دلالات عباراتها ومفرداتها من النحو والصرف صعودا إلى علم المعاني والعلم بالشعر ، حتى قالوا قديما إن الأصولي لغوي وزيادة، لما لمحوه من حاجة الأصولي إلى الإلمام بعلوم العربية حتى يتمكن من الخوض فيما يتطلبه العلم بمقاصد كلام الله تعالى، ويكفي ما ذكره الشافعي في رسالته والشاطبي في موافقاته من تحرير هذا الأمر.

وفي تاريخ التفسير الذي لا يعد بالسنين ولا بعدد ما كُتب فيه من عناوين وألف فيه من أسفار، لأن  مبنى كثير منه على مجرد النقل دون إضافة إلا في القليل المعدود على رؤوس الأصابع، نجد أن المفسرين الذين عُدوا مجددين ومبدعين في هذا الفن على قلتهم، كان لبعضهم تطبيقات لقواعد علم الأصول على آي القرآن، حملت الكثير من الطرافة والتجديد لدلالات القرآن، كما جسدت اقتدار المفسرين على توظيف قواعد علم الأصول في فهم الوحي المنزل من السماء.

ومن هؤلاء الذين يعدون بحق مجددين، إمام تونس وقاضيها ومفتيها؛ الإمام الطاهر بن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير، الذي نسعد بتقديم كتاب الباحث محمد البويسفي عنه بحثا يستهدف رصد اشتغال القواعد الأصولية في تفسيره ومدى استثماره لها في صياغة الدلالة القرآنية، خصوصا القواعد الأصولية اللغوية في استنباط المعاني والأحكام الشرعية، وفي نقد أقوال المفسرين والترجيح بينها، وفي استثماره لدلالة السياق في العملية التفسيرية.

في هذا الكتاب يسلط الباحث محمد البويسفي الضوء على تصور الإمام ابن عاشور لعلم التفسير، من خلال دراسة مقدماته العشر النفيسة التي صدّر بها كتابه التحرير والتنوير، وعلى المنحى التجديدي الذي سلكه في هذا الكتاب، وإبراز معالم علم أصول التفسير عنده رحمه الله تعالى، كما ينكب على رصد طرق استثمار الشيخ الطاهر ابن عاشور للقواعد الأصولية اللغوية (التي ترسم الحدود) في تفسيره من خلال دراسة تطبيقية شملت السور السبع الأولى في ترتيب المصحف الشريف، والتي تضمنت أغلب الأحكام الفقهية، فيما يسمى عند الفقهاء بآيات الأحكام.

لقد توفق الباحث محمد البويسفي من خلال الأمثلة الغزيرة التي تناولها في بسط صورة واضحة المعالم عن اقتدار الشيخ الطاهر بن عاشور وعلو كعبه في علم أصول الفقه وإلمامه الواسع بأدوات العربية وعلومها، فهو كما قيل جاء موسوعة في البلاغة وموسوعة في الأصول، والشيخ ابن عاشور في تفسيره مستقل الاجتهاد يورد الآراء ويقلبها ويرد منها ويرجح، وله أحكامه وآراؤه الخاصة التي لا تصدر إلا من عالم مقاصدي مجتهد كبير كما بين ذلك إسماعيل الحسني في دراسته عن نظريته في المقاصد عند الطاهر بن عاشور.

في الختام نسأل الله تعالى أن يجازي خيرا الباحث محمد البويسفي على جهده وعمله، وأن ينفع به عموم الباحثين، وأن يكون مقدمة لما بعده، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

تم عمل هذا الموقع بواسطة